لا تدفعني... دعني أنطلق
في هذه المقالة الصغيرة تذكرةً بأبسط أسس التحفيز و أهمّها. إنّه العلاقات الإيجابية الحقيقيّة: هذا الأساس بسيط لدى من يريد تعاملاً صحيّاً بين الموظّفين لأنّه ولأنّهم بشر قبل أيّ اعتبارٍ عمليٍّ آخر، وشاق عسير على من يرى الاهتمام بعلاقات الموظّفين تكلفةَ عملٍ لا بدّ منها. وبسبب الخلل في تناول هذا الجانب أو الغفلة عنه أو الاستخفاف به نرى كثيراً من الشركات وبرامج التحفيز التقليدية لا تحقق نجاحاً يذكر.
تكون أو لا تكون... الروابط الحسنة لا يمكن ادّعاؤها : يتعطّش البشر للاعتراف والتقدير الصادقين لجهودهم ولا يمكن للتقدير المسرحي أن يجد طريقه إلى صدورهم بل سريعاً تكتشف حقيقته ويُصدّ، ولن يولّد إلاّ مزيداً من الغيظ أو ربما الانفجار. ولقد رأيتُ بنفسي قبل مدة ماذا يمكن أن تصنع مبادرات التحفيز والتشجيع التي تقوم بها الإدارة (رفعاً للعتب) وليس قياماً حقيقياً، حين استدعاني أحد عملائي للمساعدة في إطفاء حريقٍ هائل اندلع بين الإدارة والعاملين بعد أن تكرّمت هذه الإدارة على عامليها المرهقين المتحرّقين إلى إجازات مريحة يقضونها مع عائلاتهم، فقدّمت لهم بدلاً من ذلك تذاكر غداء وتسلية مجانية مخصّصة للأطفال .
عناصر أساسيّة في العلاقات الصحيّة : - الوقاية خير من العلاج :
إن إشعار العامل بتقدير و شكر الإدارة الحقيقيّين لعمله الحسن تولّد نتائج هائلة وخصوصاً إذا صاحبتها كلمة " شكراً " التلقائية النابعة من القلب .
أجل تقدير الناس مجّاني، و لكن آثاره هائلة على الجميع، و لأن طبّاخ العسل هو أوّل من يذوقه فقد بيّنت الدراسات أنّ من يشكرون الناس شكراً حقيقياً يتصاعد تقديرهم لأنفسهم تصاعداً كبيراً .
- تكوين حلقة تغذية راجعة بنّاءة :
وهذا عنصر جوهريّ في كل برنامج تطوير احترافي قمنا بتنفيذه. بدأنا بمجموعات موظفين أساسية، وكان المرح أداةً مهمّة في تقنيات عملنا المختلفة. في إحدى المرّات أجرينا الأمر على النحو الآتي: يدخل الموظّفون إلى قاعة التدريب ويتناول كلّ منهم –دون تعيين- غرضاً من وعاء كبير . قد يكون ذلك الغرض قبّعةً، أو زيّاً معيناً، أو أداة عمل و يسمّى باسم الوظيفة التي يمثّلها. وبعد ذلك يتناوب الموظفون الأدوار في شرح ما يرونه ساراً وما يرونه مقرفاً في وظائف زملائهم. وبالطبع، يتخلّل ذلك الشرح كثير من الضحكات أو الصيحات الساخرة . في الأسبوع التالي أظهر الاستطلاع أن ذلك التمرين أحدث ثلاثة تغييرات مهمّة :
- إن التفهّم الجديد جعل الموظّفين أكثر تعاطفاً مع أناسٍ كانوا ينفرون منهم نفوراً شديداً .
- أصبح الموظفون أكثر إدراكاً لنقاط القوة ونواحي الضعف لدى العاملين الآخرين.
- الموظفون الذين كانوا يشعرون بالغربة أفادوا بأنهم باتوا يشعرون بمزيدٍ من القرب إلى زملائهم .
كان ذلك جزءاً صغيراً من برنامج تدريب ديناميكي منهجي مصمّم لتعزيز اندفاع الموظّفين وتقليص مصاعب الاحتفاظ بالعمالة. وقد أثبتت لنا الاستطلاعات أن تقدماً هائلاً حدث عندما أدخلنا في تصميم البرنامج أسئلةً تمكينيّة Empowering Questions تجعل العملية ممتعةً كما تجعلها هادفة .
- تحليل أسباب العزلة و الغيظ في العمل :
ما يؤذي نحلة يؤذي مملكة نحل. إن وباء السلبيّة Negativity الذي يجتاح أمكنة العمل هو برهانٌ على أن كثيراً من العاملين يشعرون بهوان القيمة أو بالعزلة . إن الغيظ و القلق هما عرضان يشيران إلى القصور في تلبية احتياجات معيّنة. والعلاقات الصادقة هي من أهم هذه الاحتياجات .
أجل، كلّ منا يريد الشعور بأنه جزء أساسي في مجموعة مرجعية . فالتكوين الداخليّ للإنسان يدفعه نحو إنشاء علاقاتٍ هادفة حقيقيّة ويجعله يشعر بالقلق و التوتّر إذا كان معزولاً عن الناس أو مرفوضاً من قبلهم. وبالرغم من هذه النزعة البشرية الفطرية إلى الارتباط مع الآخرين فإنّه يصعب على الكثير من الناس الاحتفاظ بموقع آمن مستقر داخل مجموعة اجتماعية مألوفة في عالم اليوم الدائم الهرولة والتحوّل .
إن اهتمام الأصدقاء و الخلّان تجرفه على الدوام ضغوط المعيشة التنافسية مثل وقت العمل الإضافي الاضطراريّ، والعمل بالورديّات، والاضطرار إلى التنقّل مسافاتٍ بعيدة .
- صيانة العلاقات و معالجة الأضرار :
في دراسات السعادة في مكان العمل على المستوى الوطني أدلى العاملون الذين كانوا يشعرون بأنّهم مقدّرون لدى الآخرين بتعليقات مثل :
- مكانُ عملي مقرّ آمن .
- أجدُ هدفاً في العمل الذي أقوم به، لذلك فإن حياتي أصبحت ذات معنىً أكبر .
- ليس عليّ أن أجرَّ نفسي إلى العمل جرّاً كلّ صباح. كيف أحفّز نفسي؟ عندما تكون المهمّات مبرزةً لمواهبي فإنّها تصبح جزءاً منّي وليست إلزاماً خارجياً .
أجل، إن العلاقات الإنسانية تحكم كلّ جوانب حياتنا، و هكذا فإنّ فريق عملي يعرضون باستمرار أمثلةً واقعية على تمكّن شركاتٍ كثيرة حول العالم من تحقيق فوائد هائلة من خلال العلاقات الصحيّة بين أفرادها. ومن أهم الخطوات الأساسية المجرّبة في هذا السبيل :
- إنشاء برامج رعاية بنّاءة وتغذية راجعة تولّد تحفيزاً داخليّاً لدى الموظّفين .
- تأسيس برامج تبادل أو تواصل وظيفي داخلي تنمّي الرضا الوظيفي .
- تأسيس برامج رسمية يقوم فيها المديرون التنفيذيّون والعاملون بخدمة المجتمع وردّ الجميل إليه، وقد بيّنت الأبحاث أن هذه الممارسة تزيد إنتاجية الموظّفين وولاءهم .
- استخدام اللعب والمرح كوسائل للتواصل، وتبادل المشاعر الإيجابية لتعزيز ترابط العاملين .
- العمل ببرامج إرشاد الزملاء للزملاء .
- تأمين خدمات سريّة منتظمة تعنى بالصحة السلوكيّة .
- إعلاء قيمة الحقيقة والسعي إلى اتصالات صريحة حتّى عندما يكون المحتوى مثيراً للقلق. وضمان أن الموظفين بإمكانهم التعبير عن أفكارهم دون خشية العواقب .
- قم بالتدريب وتصميم برامج التطوير المهني آخذاً في اعتبارك دائماً ضرورة التعويض عن الميل الغريزي لدى البشر نحو ترك العواطف تستعلي على المنطق .
الكاتب: البروفيسور دوريس هيلغة / مجلة عالم الإبداع